نواكشوط (صحراء نيوز) كانت الثلاثينية صويا كمرا، ناشطة في الإعلانات وطالبة ماجستير تعيش حياة مفعمة بالنشاط والحيوية قبل جائحة كورونا المستجد، فكانت ترتاد المطاعم مع خطيبها وأقاربها وتحضر نشاطات وندوات مع أصدقائها وتقوم باعمالها بشكل طبيعي، لكن منذ شهر أبريل 2020، لم تغادر صويا منزل اهلها سوى مرات قليلة للضرورة القصوى، فقد تفاقمت لديها أعراض اضطراب القلق الاجتماعي وتضاعفت مخاوفها وتصرفاتها القهرية غير المبررة بسبب رهاب الجراثيم والتلوث أثناء الوباء.
تقول صويا: الضغوط النفسية الإضافية أصبحت تدفعني إلى حافة الانهيار فقد أصبحت ارتعد خوفا من المواصلات العامة، وزاد حرصي على نظافة أدوات المائدة والأكواب وينتابني الخوف والحزن كلما رأيت صورا لخلايا فيروس كورونا او اخبار عنه.
كما تقول: أجهش بالبكاء، وأشعر أنني سأموت، ثم أبكي بحرقة حتى أشعر بألم في جسمي، ويرافق ذلك في الغالب شعور بالإحباط، لأنني لا اشعر اني ساحقق تقدما في حياتي، واخاف من أن يستغرق الأمر سنوات حتى استأنف حياتي الطبيعية واسيطر على أعراض اضطراب الوسواس القهري الذي تم تشخيصي به فمع نهاية كل موجة من الوباء تبدأ اسرتي بالضغط علي لأستأنف
حياتي ودراستي لكن المرض يسيطر علي ومايزيد الامر سوءًا عودة الوباء بموجة جديدة حتى تيقنت ان الامر لن ينتهي.
يقول استاذ علم النفس عبد الله احمد فال :
تفشي الأمراض المعدية مثل كوفيد-١٩ يعتبر أمراً مقلقاً ومؤثراً على الصحة النفسية، فآثار الجائحة على الصحة النفسية من المرجح أن تبقى لفترة أطول مقارنة بآثارها على الصحة البدنية وآثارها الاقتصادية.
فبينما اعتمدت بعض البلدان تدابير من أجل تقييد تنقّل الأشخاص في إطار الجهود الرامية إلى خفض عدد المصابين بمرض كوفيد-19، طرأت تغييرات كثيرة كانت تجري في الحياة والعادات اليومية للناس بشكل متزايد.
كما أن التأقلم مع الواقع الجديد المتمثل في العمل عن بعد والبطالة المؤقتة وتعليم الأطفال في المنزل وغياب الاتصال المباشر مع أفراد الأسرة الآخرين والأصدقاء والزملاء يتطلب بعض الوقت. فالتكيّف مع هذه التغيرات في نمط الحياة، وإدارة مشاعر الخوف من الإصابة بعدوى الفيروس، والشعور بالقلق إزاء أقربائنا المعرضين للخطر بشكل خاص مثّل تحديًا كبيراً للبشر بشكل عام وللمصابين باعتلالات في الصحة النفسية بشكل خاص. فقد اصيب عدد من السكان بامراض نفسية مثل : الاكتئاب، الارق، الوسواس القهري، هوس التنظيف والقلق العام. وفي حين أنه من المهم البقاء على اطلاع بما يستجد من أحداث، إلا أن هناك العديد من الأمور التي بالإمكان القيام بها لدعم الصحة النفسية والاجتماعية في زمن الوباء. يجب ان تتم مراعاة ردة فعل الأطفال والمراهقين مع ما يرونه من البالغين حولهم، فعند تعامل الأهالي بثقة وهدوء يطمئن من حولهم وخاصة الأطفال فقد تتراوح ردود افعالهم وتاثرهم بين المتوسطة والقوية. كما يجب مراعاة كبار السن والحوامل والحذر عليهم من التاثر نفسيا كما المتعافين من الفيروس.
تقول الناشطة في المجتمع المدني مريم احمد طالب :
تاثير وباء كوفيد-١٩ على الصحة النفسية للافراد واضح وخطير، فالمرضى غالباً لا يعرفون ما اصابهم. ومن حق المجتمع ان يتلقى توعية بالصحة النفسية للفرد وكيفية التعامل مع القلق والخوف من الوباء جنباً لجنب مع حملات التحسيس بخطورة الفيروس وضرورة التلقيح.
كما يجب ان يقوم المجتمع المدني بتوعية المجتمع على اهمية الصحة النفسية وكيفية الوقاية من الامراض النفسية وضرورة علاجها لدى الاطباء النفسيين المتخصصين حالها حال الامراض العضوية.
اهمية الصحة النفسية تعادل اهمية الصحة البدنية فاي خلل فيهما يشكل خطراً كبيراً على حياة الانسان. لكن المجتمع الموريتاني للاسف مثل بعض المجتمعات العربية لا يعترف بالامراض النفسية بل يفضل تسميتها بمسميات كالمس والسحر والعين وهو ما تتجه شريحة كبيرة من المجتمع لعلاجه لدى المشعوذون والدجالون.
خرج المين مولود من الصيدلية المحاذية لمستشفى التخصصات المعروف محلياً ب"طب چا" حاملا دواءً لاخته التي اخبرنا انه قدم الى انواكشوط لعلاجها واضاف قائلاً عن سبب مرضها :
منذ ان وصلت اخبار الوباء للقرية واصيب بعض سكانها به، ونحن نلاحظ تصرفات غريبة على اختي فقد اصبحت تغسل يديها بشكل متكرر حتى اصبح وسواساً واصبحت تتتبع اخبار الجائحة وتشعر بالهلع حين تظهر اصابة جديدة في القرية. لكن الامر ازداد سوءًا حين اصيبت صديقتها بالفيروس وتم عزلها وتوفيت بعد ذلك نتيجة للمضاعفات فحين علمتْ بذلك لم تعد طبيعية بتاتا واصبحت تتحدث كثيرا وتقول ان الفيروس و اللقاح وُجدوا لقتل الناس فقط. تدهورت حالتها كثيراً حتى ذهبت يوماً الى مستشفى القرية واصبحت ترميهم بالحجارة وتتمتم بكلام غير مفهوم. حينها قررنا ان نذهب بها الى العاصمة للعلاج، يقول الدكتور انها تعرضت لنوبات هلع من الاخبار الكثير التي تلقتها في وقت قصير وان صدمة وفاة صديقتها هو ما عزز عندها المرض النفسي وأدى الى جنونها شفاها الله.
هناك دراسات تثبت ان فيروس كورونا المستجد يتسبب في امراض نفسية عدة لدى الاصحاء كما يهاجم الجهاز العصبي، وتحديدا الدماغ لدى المصابين به، مما يؤدي إلى حالات نفسية وعصبية تترافق مع الإصابة وقد تبقى بعد انتهاء الإصابة.
يقول المستشار في المستشفى النفسي آدما ساماكي ويواصل :
الاكتئاب والاضطرابات النفسية واسعة الانتشار بين المتعافين من كورونا، وقد تصل في مجموعها إلى 50% منهم، ويحتل الاكتئاب الجزء الأكبر منها، يليه القلق والذهان الفصامي والخرف واضطرابات أخرى. لذا تعتبر الصحة النفسية امر مطروح بقوة في زمن الوباء نظراً لتأثر المتعافين من الفيروس كما الاصحاء. إن فيروس كورونا يؤثر على المجتمع بشكل عام، وتتطور حالات من رهاب كورونا والقلق والوسواس القهري ، وهو يؤثر على المصابين به أثناء الإصابة وبعد الإصابة، وقد تصل الإصابات النفسية بعد الإصابة بكورونا إلى 50% من المرضى. وختم المستشار سرحان "أخيرا أقول إن جائحة كورونا هي من الأمراض الفيروسية، ولكن تبعاتها على الصحة النفسية ظاهرة الآن، ومتوقع أن تستمر موجة كبيرة من اضطرابات الصحة النفسية مدة ما بعد انتهاء الجائحة".
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.