اُفتتحت بالعاصمة الموريتانية نواكشوط النسخة الأولى من ملتقى الأدب الشعبي المنظم من طرف الاتحاد الموريتاني للأدب الشعبي حول موضوع “أجيال القصيدة الشعبية”.
ويسعى الملتقى إلى تقديم عروض وقراءات شعرية باللغات الوطنية: الحسانية (العربية المحلية) والبولارية والسوننكية والوولفية (من أصول أفريقية سوداء).
وفي الجلسة الافتتاحية، وضحت رئيسة الاتحاد خدي بنت شيخنا أن هذه التظاهرة تأتي في إطار مقاربة جديدة تهدف إلى الخروج من رتابة الإلقاء الشعري الجامد وإخضاع الأدب الشعبي لعين النقد والدراسة.
وأضافت أن برنامج النسخة الأولى يشمل أوراقا علمية لباحثين مرموقين في مجال الأدب ونصوصا شعرية تخدم موضوع هذه الورقات.
وأشارت إلى أن الاتحاد يحاول من خلال هذه المبادرة نفض الغبار عن الآداب الشعبية الموريتانية بجميع لغاتها كإسهام في تقريب بعضها من البعض والبحث عن المشترك بين مكونات الوطن وأطيافه.
كما ذكرت بمشروع موسوعة الأدب الشعبي الذي أقره المكتب التنفيذي للاتحاد، معتبرة أن هذه الموسوعة تمثل حلقة ضخمة وطنية بامتياز.
وفي كلمة بالمناسبة قال المكلف بمهمة في وزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان محمد ولد الصوينع “إن أجيال القصيدة الشعبية في موريتانيا، قد ساهمت في مدّ الذائقة الجمعية بمخزون هائل من الإنتاج الأدبي الرفيع، حيث عكست تاريخ وعادات حِقب متتالية من تاريخنا الأدبي والاجتماعي الجميل”.
وأضاف أن هذا الحدث الهام يهدف إلى الاحتفاء بأجيالنا الأدبية المتعاقبة، وأنه بهذه المناسبة يتوجه بخالص الشكر إلى القائمين على هذه التظاهرة، لما بذلوه من جهد كبير في سبيل الإضاءة على موروث الأجيال السابقة ومسايرته من طرف جيل اليوم.
واستفاد الأدب الشعبي في موريتانيا من انتشار الحكايات والأساطير الشعبية إضافة إلى اعتماده بشكل كبير على الموروث الديني الإسلامي، ما شكل مزيجا مميزا تلتحم فيه أساطير أفريقيا بالنص الديني والإرث الهام من القصص التي يتناقلها الناس شفاهيا، كما استفاد الأدب الشعبي وخاصة الشعر من التعدد اللغوي في موريتانيا من العربية الفصحى إلى اللغات المحلية، ما مهد لولادة ثقافة ثرية في تنوعها.
لكن ورغم ما للشعر الموريتاني الشعبي من مميزات ومن تنوع في أغراضه وجمالياته وأشكاله ولغاته، فإنه ما زال يحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة رغم البحوث القيمة التي أضافها بعض الباحثين إلى المكتبة العربية خلال العقود السابقة حول هذه المدونة، التي يوليها الاتحاد الموريتاني للأدب الشعبي الاهتمام البالغ ويخصص لها موعدا شهريا.
ويسعى الاتحاد إلى ألاّ تكون الأمسيات الشعرية والأدبية مجرد مناسبات لقراءة القصائد أو النصوص، بل يحاول أو يجعل من هذه الفعاليات فرصة لمواكبة هذا الأدب بالنقد والبحث والمقاربات المختلفة، ما سيساهم بشكل واسع في تطوير هذا الأدب وخلق حركية فيه تقوم على النقد بشكل أول وترسيخ التواصل بين الأجيال الأدبية.
ورغم أهمية اجتماع الفصحى بالعامية واللغات الأخرى في الأدب الموريتاني فقد أثيرت في السنوات الأخيرة قضية فصل الفصحى عن العامية في اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وهي الخطوة التي ترسخت فعلا مع انطلاق الاتحاد الموريتاني للأدب الشعبي، ومثل هذا الفصل عند الكثيرين مسؤولية تاريخية في فصل التوأمين: الفصيح والشعبي في الأدب الموريتاني.
وطمأنت وزارة الثقافة الموريتانية حينها الأدباء الشعبيين بأن الاتحاد الذي تأسس للأدب الشعبي، لن يكون أقل شأنا من اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين الموجه إلى الفصيح.
ورغم أن الأدب الموريتاني لم يواكب المدارس التي طبعت الأدب المشرقي، وإن كانت الروافد الثقافية المشرقية ذات صدى في الأدب الموريتاني، فإن له ميزاته الخاصة التي حافظت على روافدها الثقافية التي كرسها التنوع اللغوي.
ويقبل الشباب على أصناف جديدة من الأدب سواء في الفصحى أو العامية، وهو ما انطلق مع حالة الانفتاح التي عرفها الأدب الفصيح والمجتمع الموريتاني ككل، إذ أن الأدب الشعبي لصيق بالأدب بالفصحى، والكثير من الكتاب والشعراء الموريتانيين يكتبون نصوصهم بلغة الضاد وإحدى اللغات المحلية، إذ يكتبون لا بلسانين فقط وإنما بثقافتين وتوجهين مختلفين في الظاهر منسجمين في العمق.
ويسعى الموريتانيون اليوم إلى التأسيس لثقافة مستجيبة لاحتياجات العصر، وذلك من خلال إعادة النظر في الموروث الأدبي بشكل أساسي، بما يمثله الأدب في موريتانيا من ركيزة ثقافية، تتفوق على غيرها من الفنون والنشاطات الثقافية. وأيضا من خلال الاهتمام بالأدب الشعبي لا كفلكلور أو تمظهرات أقل قيمة من الفصحى، وإنما كمكون أساسي يستقي منه الموريتانيون خصوصياتهم