لنمحو عنا صفة الفقر أولا قبل أن ننتقد الآخرين على وصفنا بها..
لماذا لا نمحو عبارة فيصل القاسم: "عندما تذكر موريتانيا يقفز إلى ذهنك الفقر والبؤس والحرمان" من الأذهان بالأفعال وليس بالأقوال..
لدي عشرة قرارات لو وجدت سلطة تتخذها لظهر خلال عامين للجميع أننا بلد غني من طراز الإمارات أو قطر أو الكويت ولمسحنا صورة "الفقر والبؤس والحرمان" عنا من أذهان الناس..
القرار الأول من هذه القرارات يتعلق بالنظام المالي العميق للبلد، الذي هو أم هذه القرارات العشرة وقاعدتها التي تنطلق منها:
إصلاح النظام المالي للبلد، فالنظام المالي الحالي للبلد (النظام المالي للبنك المركزي والبنوك الوسيطة، والنظام المالي الحكومي الذي تشرف عليه وزارة المالية والشامل لأنظمة الرواتب والمكافآت والضرائب والنفقات الحكومية) لا نجد له شبيها إلا لدى الأنظمة المنبثقة عن الانقلابات العسكرية العتيقة أو أنظمة الأحكام المنبثقة عن الاستبداد ذي الخلفية القبلية أو العرقية في في بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وقد كنت أتوقع أن يجعل فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من إصلاح هذا النظام أولوية الأولويات لأنه يمثل أحد أهم أسباب صناعة الفقر في موريتانيا عن طريق توجيه الثروة إلى حفنة محدودة عسكرية ومدنية تتقاسم أروقة السلطة والأعمال وتستغل كافة أشكال النفوذ، والعلاقات بينها أشبه ما تكون بعلاقات تآمر على الوطن، مما نجم عنه توزيع متفاقم غير متكافئ للثروة بين المواطنين (أقل من 9% من المواطنين يملكون أكثر من 90% من الثروة)، وتعطيل لكل ما من شأنه تجسيد دور الدولة الحقيقي في خدمة المواطن وإسعاده لأن ذلك سيكون على حساب انتفاعيتهم، كما أنه يمثل أحد أكبر بوابات الفساد وتهريب الثروة الموريتانية إلى الخارج..
مثل هذا القرار الذي أتحدث عنه عن معرفة -لكون تخصصي الأول الذي درست في الجامعة كان الاقتصاد قبل أن أتحول عنه إلى العلاقات الدولية- شغل كثيرا من اهتماماتي وكتاباتي ونقاشاتي مع بعض الاقتصاديين والسياسيين وحتى المسؤولين الذين أعرف أو استطعت أن أصل إليهم دون جدوى، فالمنافع التي يدرها نظام منح العملات الصعبة في البنك المركزي لا يريد أحد أن يغيره لأن هناك حفنة هي التي تستفيد من هذه العملات الصعبة تعتبره خطا أحمر، وكذلك نظام الفوائد المصرفية الذي هو أساس التوجيه لعمل البنوك الوسيطة، لا تريد هذه النخبة توجيهه لفرض خدمته للمواطن البسيط، وهكذا المنافع التي يدرها نظام البنوك الوسيطة الحالي فهو خط أحمربدوره لدى هذه النخبة لأن نظام فصل البنوك والأعمال المالية عن التجارة ومنع كونها بنوكا ذات مصالح متداخلة أو بنوكا عائلات تجارية -كما هو في جميع دول العالم ليبرالية التوجه- لا يخدم هذه النخبة المتحكمة كذلك.. في كل العالم الوظيفة الأساسية للبنوك هي الإقراض بطريقة يستطيع أن يتساوى فيها كل المواطنين، أما في موريتانيا فالإقراض مغلق على الأغنياء لأن البنوك هنا صممت لتخدم هذه النخبة لا لتخدم الشعب …. يتواصل