أمسكت ثلاثا عن الخوض في مقابلة "الخمسة" مع رئيس الجمهورية، حتى استنطق فحواها، وأرصد صداها، ورجع صداها، وأختبر فعلها، ورد الفعل عليها. وبعد اقتراب نجم ثالث أيام الضيافة في العرف العربي من الأفول، ترخصت لمماً، كي أعطي لمحة عن رأيي في المقابلة، عل وعسى أن يجد الرأي أذنا صاغية عند من يهمه الأمر، ويتفادى خطأ الماضي، ويرمم وضعه الحاضر، ويشيد ركن المستقبل. **** لأسباب قد نختلف عليها وقد نتفق، وُفق الرئيس غزواني في اختيار المواقع الصحفية "الخمسة" التي يعد أغلبها الأكثر انتشارا في البلاد، لكنه أخطأ خطأ بالغا أن سلم ذقنه للأغراب في غياب أي قلم محسوب على نظامه. وبدون مواربة فكلنا نعلم ميولات المواقع الصحفية "الخمسة" واتجاهاتها، ونخمن أصلها وفصلها، ونستنطق بعض أجنداتها، ونعلم أن أقربها من التوجه الحالي، هو من يحظى بعقود مع مؤسسات أو قطاعات عامة، يمشي خببا إن وقع في طريقه من يدفع بسخاء، ويمشي الهوينا إن قوبل بآمر صرف قتور. مرت المقابلة دون أن تحظى بأي اهتمام من قبل الرأي العام، وكانها زارت مُدلجة، واغتدت والطير في وكناتها؛ وكانت ستحظى باهتمام أكبر من قبل المواقع "الخمسة" لو أنها ناقشت إشكاليات الحدود الشمالية أو الجنوبية، أو موازنة العلاقات بين محور الرياض أبوظبي، والدوحة أنقره، أو تداعيات العقد الأول من حكم العقيد ولد الطائع..! وغني عن القول أن غيابها كان ملاحظا على مستوى السوشل ميديا؛ فإذا كانت المقابلة قد غابت عن صفحات المحاورين "الخمسة" فكيف ستحظى باهتمام مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي..! تصور أن أحسن المحاورين "الخمسة" هو من أبرق لصديقه عن الحميمية النشاز بين حمام وقطط القصر..! وهنا أذكر أنني لا أشكك في قدرات الزملاء "الخمسة" ولا في قدرات مؤسساتهم الدعائية، ولا في إدارتها للرأي العام، بقدر ما أخونهم.. نعم أخونهم؛ فمنهم من نشر المقابلة وغطى عليها بفضيحة مالية بعد دقايق عددا، ومنهم من نشرها كأداء واجب، ومنهم من فعل ذلك دون أن يستخرج منها أي خبر صادم، ينال اهتمام الرأي العام، إلى غير ذلك. وبالمحصلة فلم تحظى المقابلة الرئاسية بالزخم الذي يفترض أن تحظى به، مع أنها الأولى من نوعها؛ لكن التمييز الذي مورس ضد غالبية الصحافة المستقلة، ولّد ردة فعل سلبية، وغابت عن صفحات مواقعهم، كما غابت بشكل شبه كلي، عن صفحات أغلب الناشرين والإعلاميين العاملين في الصحافة، ما جعل منها مثالا حيا على (لعمارة لمغرمشة) التي لا يسمع لها صوت ولا تصيب هدفا؛ وحرمها ذلك من التأثير الذي حجب عنها حجب الفروع للحواشي ..! يقول صديقي الإعلامي أحمد ولد الدوه، في مقارنته بين الإعلام الرصين والمواقع الصفراء؛ أن الأخيرة، يجب أن تحظى باهتمام أكبر في مجال الدعاية، فالإعلام الرصين مقيد بالموضوعية والمهنية، بينما المواقع الصفراء تنشر أي شيء، وهي أفيون القراء الذي يبحثون فيه عن الشوارد، وبالتالي فهي الأكثر شعبية. تصور أن بعض مؤسسات الإعلام العالمية الكبيرة، أسست منصات ومواقع صفراء تنشر من خلالها الأخبار التي تريدها أن تأخذ حكم المشاع، ثم تعود في الأخير وتنشرها بعد ما أصبحت في حكم المتداول..! وعلى ذكر صديقي الدوه؛ أتذكر أنه في العام 2021 تلقت مؤسستنا الوليدة آنذاك، دعوة من وزارة الداخلية لتغطية جولة للوزير في ولايات الضفة وذلك عقب أحداث اركيز؛ وبالطبع كان من واجبنا أن نعطي للزيارة الضجة التي تليق بها. بعد حضور استقبال المطار عقدنا مجلسا تحريريا، اخترنا خلاله صورا من الزيارة، لكنني تفاجأت باختياره لصورة معينة ما أن تم نشرها حتى تم تداولها بشكل واسع، وأثارت ضجة كبيرة بين مهاجم ومدافع، وهكذا علم الجميع بالجولة الوزارية. وحين اطمأن صديقي على نيل الزيارة اهتمام المتابعين، أعطاني صورة مثيرة وخبرا أكثر إثارة حول موضوع لا علاقة له بجولة الوزير، وما أن تم نشرهما حتى أخذا اهتمام الفيسبوك، وغطيا بشكل كامل على الصورة المثيرة من استقبال الوزير..! **** ما أريد أن أصل إليه من القصة، هو أن ضمن فريق الرئيس من هو أجدر بنقل رسائله، وأكثر ائتمانا عليها، وأخلص في إيصالها، وأكثر احترافية حين تتشابك خيوط اللعبة. #الصورة : من صديقي الدوه بعد صقل سِنانه من معركة الصورتين، في فندق بمدينة سيلبابي.
كاتب المقال / الشيخ ولد لمامي