
منذ إعلان ترشحه في مارس 2019، طرح فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني رؤية وطنية متكاملة محورها محاربة الفقر والهشاشة، وتعزيز العدالة والإنصاف، وترسيخ دولة القانون، وبناء اقتصاد قوي يضمن الأمن والاستقرار.
وقد تُرجمت هذه الرؤية من خلال برنامج تعهداتي، الذي أسفر عن نتائج ملموسة: تقليص التفاوت، دعم الأسر الفقيرة، إدماج الشباب والنساء، بناء المدرسة الجمهورية كمرتكز للوحدة، وتطوير البنى التحتية والخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومياه وكهرباء وطرق. كما حققت الحكومة مكاسب لافتة في المجال الزراعي والرعوي، وأطلقت برامج للتأمين الصحي والدعم الاجتماعي شملت عشرات الآلاف من الأسر.
وبعد نيل ثقة الشعب في استحقاقات 2024، تعزز هذا التوجه عبر برنامج طموحي للوطن، الذي تعمل حكومة معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي على تنفيذه. ويتجسد هذا البرنامج في مشاريع تنموية كبرى وإصلاحات هيكلية تشمل البنية التحتية، تحسين الخدمات العمومية، دعم المزارعين والمنمين، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لصالح الفئات الهشة. وهو ما يجعل المشروع الوطني يدخل مرحلة جديدة أكثر شمولاً وعمقاً.
غير أن هذه الجهود، رغم قيمتها، ما زالت تصطدم بواقع داخلي تتحكم فيه الأطر التقليدية من قبائل وزعامات ورجال أعمال، الأمر الذي يضعف من سرعة إنجاز مشروع الدولة الحديثة، ويؤخر بناء وطن جامع على أساس العدالة والإنصاف. والأسوأ أن هيمنة هذه البنى التقليدية لم تقتصر على عرقلة الإصلاحات، بل ساهمت كذلك في بروز خطابات تحريض وكراهية داخل المشهد، كان يفترض أن تكون هذه الأطر حاضنًا وموجهًا للحد منها لا محفزًا عليها. وهي مسلكيات وعقليات خطيرة تقوض بدورها جهود الدولة في بناء مجتمع متماسك ومتوازن.
لكن غياب الدور الحيوي للأحزاب السياسية والمنظمات المدنية فتح المجال واسعًا أمام الأطر التقليدية للهيمنة على المشهد، في حين أن هذه الأحزاب والجمعيات يفترض أن تكون هي الحاضن الفكري والتوعوي، والمساهم الأبرز في إشاعة ثقافة المواطنة، وترسيخ قيم الديمقراطية، ومحاربة خطابات الكراهية. غير أن تخليها عن هذا الدور أو ضعف أدائها جعل القبيلة والزعامة التقليدية تتصدر المشهد، مما زاد من إعاقة مسار الدولة في بناء مجتمع حديث متماسك.
إن نجاح هذا المشروع الطموح يمر عبر وعي جماعي بأن الدولة وحدها هي الإطار الجامع، وأن تجاوز نفوذ البنى التقليدية لم يعد خيارًا بل ضرورة ملحة. فبقاء هذه البنى في موقع الهيمنة يغذي خطابات الكراهية والتحريض، ويعرقل جهود الدولة في ترسيخ قيم العدالة والمواطنة. لذلك، فإن بناء دولة المؤسسات القوية والمتماسكة لن يتحقق إلا بتعزيز دور الأحزاب والمنظمات المدنية، وإحلال منطق القانون محل منطق الولاء، حتى تتقدم موريتانيا بثبات نحو مستقبل مزدهر وآمن لكل أبنائها.
حفظ الله موريتانيا