الدولة والقبيلة في نظر المثقف / ذ. سيد أحمد عبدي امبارك

اثنين, 03/07/2022 - 21:06

 

يعتقد الكثير من مثقفي هذا المصر أن القبيلة تتعارض فكرة الدولة المعاصرة وأن في وجودها تهديد لكيانها، ففي مقال له بعنوان "الدولة بعصبيات جديدة" اعتبر الدكتور السيد ولد أباه أننا "في فكرنا السياسي المعاصر نذهب إلى أن القبيلة حالة بدائية سابقة للدولة القومية المندمجة التي استبدلت التضامن الآلي بالتضامن العضوي، وعوضت الهويات الأصلية المتوارثة بالهويات الحرة المفتوحة"

وقد كثر الحديث عن طبيعة علاقة القبيلة بالدولة في بلادنا  وتباينت الآراء إزاء هذا الأمر، لكن هذه الآراء جميعها تقريباً تخلص إلى أن القبيلة والدولة في موريتانيا انصهرتا مع بعضهما ولم تصبحا فقط تمثلان وجهين لعملة واحدة، لكنهما صارتا وجها واحدا إن صح التعبير، بل إن هناك من قال بغياب دولة المؤسسات في ظل سيطرة تامة لبعض المكونات القبلية على مفاصل الدولة، وترسخت ثقافة التعيين على أساس القبيلة والانتماء العرقي، وقد سيطرت القبيلة على كثير من أدوار الدولة في قضايا استراتيجية مثل الأمن والحماية والسيادة وغيرها...

إن إشكالية العلاقة بين القبيلة والدولة تأتي من طبيعة التركيبة القبلية للمجتمع الموريتاني، ولأن القبيلة تقوم في الأساس على حماية مصالح أتباعها والمحتمين بها والحلفاء، فإنها تقدم مصلحة فرد فيها -قد يكون شيخ القبيلة مثلاً- على مصلحة أي كيان آخر، بل إنها مستعدة لكسر القانون والدستور، وأحيانا الشريعة الإسلامية لتحمي شيخها أو أحد أبنائها أو المنتمين إليها.

إن الفرق بين فكر المجتمع القبلي وفكر المجتمع المدني يكمن أن القبيلة تبني الجماعة على حساب الفرد الضعيف المهمش الذي لايعبر عن نفسه بحرية فتكون القبيلة المكونة من مجموعة أفراد غير أقوياء ضعيفة إلا أمام بعضها البعض أو ضد قبيلة أخرى تشابهها نفس الصفات. أما المجتمع المدني فيبني الفرد القوي المعبر عن نفسه والمالك لحريته وقراره ليكون ذلك الفرد القوي مع أشباهه جماعات قوية تتمثل في الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية وغيرها مما يسمى بنظام المؤسسات المدني.

ولو غيرت القبيلة فكرها واستثمرت قوتها الجماعية في بناء الفرد القوي الواثق من قدراته وخلقت نظاما ديمقراطيا داخل تكوينها القبلي بحيث يصبح الفرد مكونا أساسيا لبناء القبيلة القوية يختلف في راية ورؤيته عن المجموع دون أن يراد له الانصهار فقط داخل فكر القبيلة الذي يجعل من تكافل القبيلة الاجتماعي وتعاون أفرادها القبلي، مجرد مناسبات للأكل وامتلاء البطون بلحوم الأغنام التي تراق دمائها بكثرة في أبشع تبذير للمال الذي لو استغل لبناء المدارس والمصحات ودعم المرضى، والفقراء لتحول مجتمع القبيلة من مجتمع استهلاكي للغذاء والوقت الضائع إلى مجتمع منتج، وصحي وقوي.

إن المبادرات والاجتماعات القبلية تعكس عقلية الإنسان  الموريتاني الذي يؤمن إيمانا تاما بالقبلية وعليها يبني رآه المستقبلة، ويعيش حاضره بعقلية ماضيه يؤمن بما يكفر به أقصد أنه يؤمن بالدولة ويكفر بالقبيلة على عكس سلوكه.

كامل الود

إعلانات

تابعونا